أخبار الميثاق موبايل

أخبار الميثاق موبايل

إقصاء غير متعمد


بقلم الدكتورة / رؤوفة حسن
--------------------------------

تعج الساحة السياسية اليمنية هذه الأيام بأنواع من الصراعات بعضها جديد وبعضها قديم. وتمتلئ زوايا الأماكن بمجاميع من الناس يتهامسون في ما بينهم بإشاعات جديدة كل يوم خلاصتها تغييرات مناصب ووظائف ومواقع مهددة بالزوال. إنها القصة الأزلية للبلدان والحكومات في كل زمان ومكان. وقد تبدو اليمن أيضا وكأنها في حركة انتقال دائبة في السياسات والأشخاص والتوجهات في الظاهر، لكن جوهر الأشياء ثابت ولا شيء فعلا في صميم الناس وأسلوب حياتهم ورؤيتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم يؤثر على استمرارهم فيما يعرفون ويألفون خطأً كان أو صواباً. ويتجنب الأكاديميون والمختصون الوقوع في مزالق الصراعات الساخنة فيلجأون إلى الحصول على سند حزبي يؤازر أطروحاتهم أو يصمتون وكذلك تفعل جامعاتهم، ومراكز الأبحاث القليلة من حولهم. لكن الساحة تبقى لمروجي الشائعات دون منازع. يتعرضون لشخصية عامة معينة فيلقون عليها كل اللوم وكل الأخطاء ما مضى منها وما سيأتي. وعندما يستهلكون كل شيء متاح للقول عنها تأتي فترة لم يعد فيها ما يمكن إضافته سوى الحديث على استحياء عن محاسن تلك الشخصية وخصال حميدة أخرى، وهكذا. وفي كل الأحوال فإن أروع الأشخاص وأكثرهم إنتاجا وأهمهم للأمة والوطن في نظام الأقاويل، هم أولئك الذين ماتوا سواء في ساحات المعارك الحربية أو ساحات المعارك مع الصحة أو شظف العيش اليومي أو هموم الحياة العملية والأسرية. يتم ذلك لأننا في حضارة تحرص على ذكر محاسن موتانا وتركز بعناية بالغة على مساوئ أحيائنا. فقط في الثورات والانقلابات تتحول كل وسائل الدعاية والإعلام والترويج والإشاعات إلى نقطة تركيز على من تم الخلاص منه وانتهى زمن قوته وسلطته. المهم هذه الأيام تستقبل أذنيك كل لحظة تأكيداًَ على وقوع حدث تغيير وزاري أو إداري وأشخاص لا يحترمون سرية العمل والوظيفة فيخبرونك عن قرارات يتم وضع المسودات الأولية لها فلا تنشر الأخبار الرسمية خبراً إلا وقد صار مستهلكا إلى أقصى مداه وصار معروفا للقاصي والداني. وآخرين يؤكدون لك السيناريوهات القادمة وكأنهم هم من رسمها، وعندما لاتصدق توقعاتهم وأخبارهم يشرحون مستجدات أخرى هي التي منعت ما أخبرونا بقرب حدوثه عن الوقوع. وفي هذا الخضم يمجد الطامحون أنفسهم بكل الطرق، ويخدم طموحاتهم المعلنة والكامنة الناس الذين يحملون من حولهم لتلميعهم وتحقيق صور الإبهار عنهم. وللنساء نصيب مما اكتسبن: أما النساء القليلات في الساحة العامة فهن الموضوع المفضل للإشاعات القاسية العنيفة، كاستمرار لتصعيب الحياة على مشاركتهن في التنمية التي لا يمكن أن تتحقق بدون وجودهن. والوحيدات منهن اللواتي يتمتعن بقليل من هذه الإشاعات وليس بالكثير منها هن أولئك اللواتي يظهرن في المجال العام لكنهن لا يفعلن شيئا ولا يحققن مكسباً ولا يدافعن عن قضية ولا يختلفن مع أطروحة. والبارزات يصارعن بعضهن البعض على فتات المناصب النادرة المتاحة، ويساهمن في حرب النساء بكل ضراوة وبدلا من أن تتسع المساحة للجميع يرتفع شعار نفسي يانفسي وبعدي الطوفان، فمادام رجال السياسة يفعلون ذلك فلم لا تفعله النساء. عقدة الذات والإقصاء: القصة رجالية ونسائية في عملية إقصاء الآخرين وبالذات الذين لديهم قوة تأثير أو أكثر خبرة ومعرفة. يمارس بعضهم هذا السلوك متعمداً ومدركاً ويمارسه البعض تلقائيا بحكم العادة. وفي تجربة ظريفة للمشاركة في تركيا في ندوة للعلاقات اليمنية التركية كان من بيننا شخصية عامة معها مسؤول عن متابعة اخبارها ونشرها. وهكذا عند العودة تلقيت على بريدي الالكتروني كما قرأت في بعض الصحف خبر حضور تلك الشخصية في ذلك النشاط وتقديمها لمشاركة متميزة بحيث يطرح الخبر بصيغته تلك نفسه وكأن تلك الشخصية كانت هناك في تلك الندوة وحدها تتحمل مسؤولية تحسين العلاقات الدولية اليمنية مع تركيا بمفردها ولم يكن هناك أي شخصية أخرى من اليمن رغم أهمية مشاركتهم والمساهمات التي قدموها. هكذا يتم الإقصاء لوجود الآخرين فيستفزهم حتى لو كان غير متعمد، ويمكن لكل شخصية من الذين حضروا أن تنشر أيضا خبرا صحفيا بفردية المشاركة أو بجماعيتها مع إقصاء الشخصية التي اعتاد مكتبها الغاء كل وجود جوارها. الإقصاء يقع أيضا في طرح قضايا تاريخية عند محاولة تجنب أماكن أو شخصيا أو فترات كي لا يقع المتخصص في لوم أو عتاب من القوى المؤدلجة التي لا تقبل رأيا مغايرا ولا أطروحة مختلفة. وقد حدث ذلك أيضا في فترة مشاركتنا المذكورة في تركيا، كجزء من تراث ينظر للأشياء من زاوية واحدة.
----------------------------------------
عن"الثورة"
السبت 26 يونيو-حزيران 2010 07:53 م

هموم اول القرن:خواطر في قضايا الصحافة


بقلم/ نصر طه مصطفى
---------------------------

أثبتت لي تجاربي خلال السنوات الماضية أن الرئيس علي عبدالله صالح هو الأكثر وعيا وإدراكا ومرونة وفهما لكل مقتضيات التطور في هذا البلد ولكل ما يجري فيه من كل من حوله مع احترامي وتقديري للجميع... وما أقوله ليس مجاملة بل حقيقة واقعة تؤكدها كل الشواهد ويعرفها جيدا كل من يعرفون الرجل،
فما دعاني لقول ذلك هو حديثه قبل أمس الثلاثاء مع رؤساء وفود مجالس الشورى والشيوخ العربية والإفريقية وبالذات ذلك الجزء المتعلق بحرية الصحافة الذي تحدث فيه الرئيس بوضوح وشفافية ومصداقية نادرة... فهو أشار إلى عملية المران النفسي على مسألة حرية الصحافة وما ينبني عليها من نقد سياسي بأسلوب جميل يدل على روح رياضية رائعة قلما تكون موجودة لدى قائد سياسي خبير ومحنك مثله.
هذا كله يذكرني بمواقف سابقة كثيرة له أثبت من خلالها مستوى دعمه لقضايا الحريات الصحفية يمكنني أن أذكر بعضها مثل توجيهه بإجراء تعديل قانوني يلغي عقوبة حبس الصحفي بسبب الرأي وتوجيهه بالسماح لأجهزة البث المباشر الخاصة بقناة الجزيرة بالدخول لليمن وتضمينه برنامجه الانتخابي حرية إطلاق القنوات والإذاعات الخاصة ومواقف سابقة كثيرة ليس في المجال متسع لذكرها... لكني أريد أن تكون مدخلا للحديث المتأخر عن يوم الحرية العالمي للصحافة الذي صادف الخميس الماضي ومن خلاله أريد أن أعبر عن آمال عريضة تكرس حرية الصحافة في بلدنا باعتبارها أكثر وأجمل إشراقات الديمقراطية التي نعيشها منذ سبعة عشر عاما ستكتمل بعد اثني عشر يوما في الاحتفال بالعيد الوطني الذي جلب معه الخير لهذا البلد فالوحدة خير والديمقراطية خير وحرية الرأي خير ونأمل أن يكتمل هذا الخير بزوال المصاعب الاقتصادية والمعيشية عما قريب فالمستقبل يحفل بكل خير إن شاء الله.
فبغض النظر عن كون تقييم أوضاع حرية الصحافة أصبحت أحد نقاط التقييم لدول الديمقراطيات الناشئة التي تنفذ برامج إصلاح اقتصادي برعاية دولية فإننا يجب أن ننطلق في الحفاظ على حرية الصحافة من قناعة ذاتية كما قال الرئيس قبل أمس لما لمثل هذه الحريات من انعكاسات إيجابية على الأوضاع الداخلية... لذلك فإنني أتمنى تحريك جوانب الجمود التي يمكن أن تؤثر باستمرارها على الحريات الصحفية مع الوقت، وفي مقدمتها حالة الجمود التي دخلتها عملية تعديل قانون الصحافة في إطار الموجهين الأساسيين اللذين طرحهما فخامة الرئيس قبل ثلاث سنوات وهما إلغاء عقوبة الحبس للصحفي بسبب الرأي وزيادة مساحة الحريات الصحفية، وهما موجهان رائعان لا يختلف عليهما كل من ينشد الخير لهذا البلد... كما أتمنى الإسراع في تنفيذ ما ورد في برنامج الرئيس بخصوص القنوات والإذاعات الخاصة وفق ضوابط لا تجعل منها وسيلة لتمزيق الوحدة الوطنية وإثارة أمراض التخلف التي ما دخلت بلدا إلا ودمرته وجعلت أهله جميعا أذلة... وأتمنى أيضا تطبيق القانون الحالي للصحافة ولائحته التنفيذية فيما يخص طلبات إصدار الصحف والمجلات فلدينا قانون يشهد له الآخرون بأنه من أفضل قوانين الصحافة العربية ومن ثم فمن استكمل شروط الإصدار الواردة في القانون فليصدر ما يشاء من الصحف طالما هناك مرجعية قانونية تحكم الجميع... وأخيرا أتمنى على كل أصحاب القضايا المرفوعة ضد صحف في المحاكم أن يسحبوها ليس لأن ذلك من حقهم بل على العكس هو حقهم المشروع الذي لا مراء فيه، إنما من باب فتح صفحة جديدة في هذه المرحلة وبالمقابل أتمنى على أصحاب الصحف والصحفيين المرفوعة ضدهم تلك القضايا أن يكونوا أكثر حصافة ودقة ومسؤولية فيما ينشرونه ويكتبونه مستقبلا حتى لا يتعرضون لمثل هذه المواقف التي تضع كل الصحفيين في حرج وتسيء لصورتهم خاصة تلك الكتابات المليئة بالسب والقذف والابتزاز الرخيص والمكايدة السياسية الغبية!
-----------------------------------------------------

الخميس 10 مايو 2007 09:21 ص

الفرصة السانحة

بقلم / علي حسن الشاطر
------------------------

المبادرة التي أطلقها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح عشية العيد الوطني العشرين للجمهورية اليمنية وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية (22 مايو) جاءت في وقت تخيم فيه على الساحة الوطنية أجواء سياسية غاية في الدقة والحساسية،وإشكالات اقتصادية واجتماعية وأمنية متفاقمة،تتنامى بشكل يومي حدتها وانعكاساتها السلبية على حياة المواطن واستقراره وأمنه وعلى مستقبل الوطن بشكل عام،حيث يمر بمرحلة استثنائية عصيبة تنامت خلالها حدة الأعمال الإرهابية والمشاريع التفكيكية بأبعادها الجهوية والطائفية.. وكثير من الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية التي تستمد قوتها وعوامل وجودها واستمرارها من طبيعة الاختلالات المريعة في تركيبة منظومة العملية السياسية السائدة وبنيتها الحزبية المكونة لها، والتمسك بمصالحها وامتيازاتها وفسادها السياسي وقناعاتها الفكرية الجامدة،وتناقض مواقفها المتطرفة،مما جعلها تشكل حائلاً دون تحقيق أي شكل من أشكال الرقي باتجاه أي تطور ايجابي على طريق الحداثة السياسية والديمقراطية والنهوض الحضاري التنموي . المبادرة مثلت رؤية وطنية إستراتيجية مرتكزة على الوعي المعرفي بإشكالات الواقع وأزماته وخصائصه الاجتماعية والسياسية،واعتمدت الحوار وتعزيز الوحدة الوطنية وسيلة وأداة شرعية وقانونية للشروع بمعالجة هذه الإشكالات بأسلوب منهجي متدرج ينطلق من مجمل البنود المؤجلة وصولاً إلى الحاضر واستشراف المستقبل وفق آلية وطنية جديدة متمثلة اتجاهاتها الإستراتيجية العامة في :
* دعوة كل أطياف العمل السياسي،وكل أبناء الوطن في الداخل والخارج إلى إجراء حوار وطني مسؤول تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل،مرتكزاً على اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر الشعبي العام ، وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب .
* التأكيد على الشراكة الوطنية مع كل القوى السياسية في ظل الدستور والقانون،وما يتفق عليه الجميع .
* وعلى ضوء نتائج الحوار تشكل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي للمؤتمر في تحقيق الوحدة,(الحزب الاشتراكي اليمني) وشركاؤه في الدفاع عنها .
* التحضير لإجراء انتخابات نيابية في موعدها المحدد في ظل الشرعية الدستورية والتعددية السياسية .
* طي صفحة الماضي وإزالة آثار ما أفرزته أزمة العام 1993م وحرب صيف 1994م .
* إطلاق سراح جميع المحتجزين على ذمة الفتنة الحوثية في صعدة، والخارجين عن القانون في بعض المديريات في محافظات لحج وأبين والضالع .
* العفو عن الصحفيين المنظورة قضاياهم أمام المحاكم أو الذين صدرت بحقهم أحكام في قضايا تخص الحق العام ..
مجموعة هذه التوجهات الإستراتيجية العامة من شأنها تحويل هذه المبادرة إلى منبع وطني لطاقة خلاقة جديدة لبعث الحياة في الواقع السياسي الآسن،وتجاوز حالة الركود ، والجمود الذي اعترى العلاقات بين مختلف أطياف العملية السياسية،وادخل الوطن في نفق الأزمات وأوقف الكثير من مظاهر الحياة والتفاعل السياسي والاجتماعي الوطني المثمر،وعطل الكثير من قدرات وإمكانات المجتمع وطاقاته،وقوّض إلى حد بعيد دور الدولة والعملية الديمقراطية وبنيتهما المؤسسية التشريعية .
تمثل المبادرة من حيث إطارها العام خياراً استراتيجياً في الانتصار للوحدة والسير بها قدماً لتحقيق غاية الأجيال اليمنية،وتزامنها مع احتفالات الشعب اليمني بمرور عقدين من عمر الوحدة؛ ذلك الإنجاز الوطني الأبرز في حياة هذا الشعب على مر العصور يجعل منها احد الروافد الحيوية لتعزيز وتجذير وتحصين ذلك الإنجاز والانتصار التاريخي؛ وإكسابه المزيد من عناصر الحيوية والقوة والقدرة على التطوير والتجديد الذاتي ليستوعب احتياجات الحاضر وتحديات المستقبل.. وتتجلى هذه المبادرة في كونها نابعة من هموم وتطلعات وطموحات المجتمع اليمني،ومجسدة لحقيقة المسؤولية والشراكة الوطنية في البناء والتنمية، وفتح آفاقها الجديدة على كافة الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية،باعتبارها الركيزة السياسية التي يجب أن يقوم عليها حاضر اليمن ومستقبله،وباعتبارها واجباً وطنياً واستحقاقاً تاريخياً لكل أبناء اليمن يسمو على ماعداه من حسابات ومصالح ضيقة،ولهذا جاءت المبادرة مستندة على ثلاث قواعد رئيسة هي :
* المراجعة لمسيرة عشرين عاماً من التجربة الوحدوية بهدف التشخيص الصائب والدقيق لإشكالات الواقع وتحديد أسبابها وجذورها ومصادرها وخلفياتها السياسية والاجتماعية والثقافية انطلاقاً مما أفرزته أزمة عام 1993م وحرب صيف عام 1994م وصولاً إلى الوضع الراهن وتحليلها ضمن إطارها وواقعها التاريخي والحضاري، فالمراجعة لاتعني التنكر للماضي أو إلغاءه بل نقده ومراجعته وتوظيف إيجابياته بشكل سليم لصالح الحاضر والمستقبل .
* المواجهة والتصدي لإشكالات الواقع وأزماته المعتملة ضمن رؤية وطنية مشتركة متفق عليها من قبل الجميع وضمن الإطار الدستوري والقانوني،والسياق التاريخي العام لتطور المجتمع اليمني وصيرورة تطوره المتدرج والمتسلسل بشكل واقعي لا يحرق المراحل التاريخية أو يتجاوز خصوصيات الواقع ومستوى تطوره وإمكاناته المتاحة .
إن هذه المبادرة تقوم على أساس حشد كل طاقات المجتمع بمختلف أطيافه الاجتماعية والسياسية في الداخل والخارج وتحويلها إلى أداة وقوة فاعلة لتحمل مسؤوليتها الوطنية في معالجة إشكالات الواقع المختلفة،وفي هذا الإطار انطلقت المبادرة من حقيقة الإقرار بأن الوطن هو ملك كل أبنائه ويتسع للجميع وهو ما يحتم على الكل (الابتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية والعناد والأنانية والتعصب الفردي والمناطقي والطائفي والسلالي،والترفع فوق كل الصغائر وان يكبر الجميع مثلما كبر الوطن بوحدته المباركة ).
ولهذا لم تكن المبادرة قضية ارتجاليه عفوية،أو نزوة سياسية للاستهلاك الخارجي كما يعتقد البعض،بل ضرورة وطنية لها أسبابها ودوافعها الموضوعية والتاريخية،وارتباطاتها العضوية بعملية التطور الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية،الأمر الذي يجعل منها إحدى الحلقات الطبيعية في سلسلة التطور التاريخي للمجتمع اليمني المرتبطة بمصير الإنسان ومستقبله ..
ومما لاشك فيه ان فشل الخيارات والمناورات السياسية السابقة،وتطور الظروف الموضوعية،وبلوغ الأزمات والأخطار المحدقة بالوطن مرحلة أضحت فيها قادرة على إفراز الحلول المنطقية من داخلها جاءت هذه المبادرة باعتبارها إفرازاً نوعياً وتراكمياً لعملية اجتماعية وسياسية طويلة لتشخيص إشكالات الواقع وأزماته،لتمثل في جوهرها العام إطاراً استراتيجياً يحدد الاتجاهات العامة للمعالجات المطلوبة والعمل الوطني في الحاضر والمستقبل،وامتلكت أهم شروط ومقومات المشروع الحضاري النهضوي المتمثلة في :
* تحديد الغايات والأهداف الإستراتيجية العامة في (بناء وطن ال22من مايو وال26 من سبتمبر وال14 من أكتوبر،وتعزيز بناء دولة النظام والقانون ).
* الانطلاق من معالجة إشكاليات الواقع السياسية وصولاً لمعالجة مجمل الإشكالات الأخرى،وهنا تكمن الدقة والصوابية في جعل الإصلاح السياسي ومعالجة االاختلالات في منظومة العلاقات بين أطراف العملية السياسية مدخلاً رئيساً نحو صياغة رؤية وموقف وطني مشترك لمعالجة بقية الإشكالات الوطنية .
* المبادرة في مضمونها العام حددت الوسائل والآليات التي تناسب الأهداف والغايات المنشودة والإمكانات الواقعية وجعلت الحوار الوطني المسؤول لكل أطياف اللون السياسي والاجتماعي تحت قبة المؤسسات الدستورية وسيلة إستراتيجية لتحقيق الأهداف المرجوة .
مجمل هذه المعطيات جعلت من مبادرة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح مرتكزات رئيسة لمشروع وطني حضاري واضح المعالم والسبل والأهداف،وموجه لحشد طاقات المجتمع وموارده وإمكاناته المتاحة باتجاه المعركة التنموية الرئيسة،وهو ما يحتم على كل القوى الوطنية في الداخل والخارج الاستجابة لهذه المبادرة باعتبارها الخيار المتاح والممكن لمعالجة إشكالات اليمن،وتفرض أيضاً على هذه القوى الخروج من قمقم المصالح والحسابات الضيقة والمشاريع الصغيرة،إلى الأفق الوطني الرحب،وان ترتقي بفكرها البرنامجي وخطابها السياسي وأدائها العملي إلى مستوى تطلعات الجماهير واحتياجاتها للخروج من هذا الواقع المتردي . إن الأحزاب مطالبة بتحمل مسؤولياتها التاريخية وتفعيل أدائها الوطني بحيث تكون قادرة على التفاعل مع هذا المشروع والعمل على تعبئة الجماهير بالاتجاه الذي يعزز الوحدة الوطنية،وإحداث نقلات نوعية تجبر الفجوات،وتقلص المسافات والتباينات التي تشهدها الساحة الوطنية،وصولاً إلى التكامل العملي الذي من شأنه وضع المجتمع على سكة النهوض والتقدم المتواصل .
--------------------------------------------------------
الأربعاء 02 يونيو-حزيران 2010 09:42 ص
صحيفة الرياض*

الوحدة اليمنية .. إطلالة تاريخية

بقلم/ علي حسن الشاطر
----------------------

ظلت الوحدة اليمنية عبر مراحل التاريخ حاضرة وحية في ذاكرة الأجيال المتعاقبة باختلاف نظمها الاجتماعية والسياسية ، ومستوى تطورها الاقتصادي والثقافي، واحتفظت بمكانتها في الإرث التاريخي والذاكرة الجمْعية اليمنية كقاعدة وآلية فكرية وعملية صنعت الازدهار التاريخي للمجتمع وأسست له حضارة ومجداً وسلطاناً؛ الأمر الذي عزز من حرص الأجيال المتعاقبة وبالذات طليعتها السياسية والثقافية على استنطاقها في كل أعمالهم وإبداعاتهم الفكرية والأدبية والتاريخية، وتحويلها إلى هدف استراتيجي في برامجهم السياسية ونضالهم الوطني باعتبارها منطلق النجاح في مواجهة تحديات المرحلة وقاعدة راسخة لأي مشروع وطني نهضوي..

وفرضت الوحدة حضورها وفعلها كحتمية وطنية في سياق الانتقاء الطبيعي لقوانين التطور التاريخي والحضاري للمجتمع اليمني، وظلت على الدوام أحد العوامل والشروط الحاسمة للتنمية والأمن والاستقرار الداخلي، وحاضنة للسلم الاجتماعي، ومثلت السبب الرئيس الحقيقي ، والهدف النهائي لكل الصراعات والحروب الداخلية عبر مختلف العصور.

وعلى قاعدة الوحدة اليمنية كهدف، وضمن نطاقها الجغرافي والاجتماعي استمرت التصادمات والصراعات التناحرية لقوى التمزق والتخلف والتيارات النفعية بمصالحها الضيقة ضد محفزات وشروط التوحد والتطور والنهوض التنموي، التي تعبر عنها الجماهير في احتياجاتها التنموية المتنامية، ومتطلباتها الملحة للأمن والاستقرار الداخلي ، وتجاوز صراعاتها وحروبها البينية ومع محيطها الاجتماعي والسياسي، والخروج من واقع التمزق الوطني وشرنقة الكيانات السلطوية والدويلات الصغيرة التي استنفدت قدراتها على الاستمرار، وتحولت إلى معوقات في طريق التقدم التنموي يقتصر دورها على إنتاج التخلف والقهر الاجتماعي وعوامل عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي.

الصراع من أجل الوحدة مثّل على الدوام مواجهة مفتوحة بين الجماهير وقواها الاجتماعية والسياسية الحية، ضد مراكز النفوذ والهيمنة الاقتصادية والسياسية والقيادات المحلية ونزعاتها التسلطية، التي بقيت حريصة في الحفاظ على مستعمراتها القبلية والأسرية الخاصة والمتوارثة، ومثلت الوحدة في مراحل تاريخية مختلفة أحد أهم الشعارات والمبررات السياسية والاجتماعية لحشد الجيوش، والمحفزة للكيانات الوطنية الداخلية المتميزة بقوتها الاقتصادية والعسكرية، لبسط نفوذها ومناطق مصالحها وسيطرتها المباشرة على ما حولها من الكيانات الصغيرة، وفي كثير من الحالات التاريخية كانت القوة والحروب تمثلان وسيلة للسيطرة تحت شعار الوحدة، إلا أن التطورات اللاحقة لمثل هذا النوع من الحروب، كانت تحكمها قوانين التطور الموضوعية، وحاجة المجتمع إلى التعايش والعيش بسلام، وكذلك الحاجة السياسية الوطنية الرسمية والشعبية إلى احتواء النزاعات الداخلية والتمردات الانفصالية، وتحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي التنموي؛ الأمر الذي حتم بالضرورة ظهور تشريعات سياسية وقوانين وأنظمة داخلية متطورة باستمرار لتنظيم العلاقات وتوازن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للكيان الجديد، وتعزز أواصر التوحد الاجتماعي بشكل يضمن لهذه الوحدة ديمومة الاستمرارية والاستقرار والازدهار الحضاري عبر التاريخ.

ظلت الوحدة الإطار العام الحاضن للكيان اليمني الحضاري الذي بقي على الدوام كتلة تاريخية اجتماعية واقتصادية وسياسية تمتلك من قواسم التوحد الموضوعية والتاريخية بمكوناتها المختلفة أكثر مما تمتلكه من شروط التفكك الجغرافي والتمزق والذاتية التي تمكنت من فرض وجودها وسيادتها المرحلية المؤقتة بين الحين والآخر على أنقاض الدولة المركزية المتحللة بفضل جملة من الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية التي تتباين من مرحلة إلى أخرى وأهمها في الغالب العام الضعف والانهيار السياسي والاقتصادي الداخلي أو الغزو والتدخل الخارجي وجميعها عوامل مولدة ومحفزة لاستشراء النزعات الانفصالية..

وخلال هذه المراحل الاستثنائية لم تعرف اليمن الاستقرار الداخلي وتحولت إلى ساحة حروب وصراعات داخلية من أجل المصالح والنفوذ، ولكنها كانت سرعان ما تتحول إلى حروب من أجل التوحد بأشكال وأساليب مختلفة ووسائل سلمية وغير سلمية، هذه الصراعات والحروب لم تكن من حيث جذورها وأسبابها الحقيقية وطابعها العام، معبرة عن نزعة أو إرادة سياسية سلطوية محضة، بل مثلت إرادة شعبية وحاجة وطنية تنموية لها جذورها وعواملها وأسبابها الموضوعية النابعة من حقيقة أن اليمن استمرت عبر تاريخها الحضاري كياناً "اجتماعياً، قبلياً، سياسياً، ثقافياً، اقتصادياً، جغرافياً وطبيعياً موحداً" ومتكاملاً في مكوناته ومصالحه ووظائفه وعلاقاته الاجتماعية والاقتصادية والتجارية.

والدويلات التي كانت تبرز هنا وهناك عقب انهيار وتفكك الدولة المركزية الموحدة لم يكتب لها التطور والازدهار والاستقرار لفترة زمنية طويلة وتدخل مع بعضها البعض في صراع تناحري مصيري يكون البقاء فيه للأقوى ، ويستمر وجودها في حالة حرب متواصلة، وعرضة لغزوات القبائل الفقيرة من حولها، إلى جانب عدم قدرتها على احتواء صراعاتها الداخلية الناشئة على قاعدة تباين المصالح الاقتصادية والسياسية، والهيمنة بين أقطابها الرئيسة المكونة لها "الاجتماعية ،القبلية والاقتصادية" من خارج إطارها الجغرافي الوطني.. في حالات عدة استطاعت بعض الدويلات الاستمرارية بحكم وجودها في مناطق تتميز بثرائها الاقتصادي وامتلاكها مرحلياً لمقومات الاكتفاء الذاتي، إلى جانب عزلتها الجغرافية وحصانتها الدفاعية وقوتها العسكرية، ونجاح البعض منها بحكم قربها من الساحل في خلق علاقات اقتصادية تجارية مع كيانات جديدة.

مراحل التمزق وعصور الدويلات الصغيرة ظلت استثنائية وتولدت عنها عوامل عدم الاستقرار والتخلف المريع في مختلف مناحي الحياة، وجعلت البلاد ضعيفة ومفتوحة أمام التدخل والغزو الخارجي الذي استشرى فعله وأثره في مراحل التاريخ الوسيط والحديث، هذه المراحل ولّدت من داخلها شروط وإمكانات وقوى التغيير والوحدة، سرعان ما كانت تفرض وجودها وإرادتها وتتحول خلال فترة وجيزة إلى مركز جذب واستقطاب سياسي واجتماعي يمدها بعناصر القوة والاستمرارية والنجاح في تصحيح الاختلالات التي تعتري مسارات التطور التاريخي للمجتمع اليمني لتعيده إلى واقع التوحد.

القادة الوحدويون الذين يخرجون من أية شريحة اجتماعية أو منطقة يمنية وحتى أولئك الذين جاءوا من خارج اليمن بعد الإسلام "الزياديين، الأيوبيين، الرسوليين وحتى بعض الأئمة" كانوا يجدون الشعب بمختلف مكوناته وشرائحه الاجتماعية وانتماءاته القبلية والجغرافية يلتف حولهم في مواجهة القوى والتيارات والكيانات الانفصالية، ومثل هذا الموقف الشعبي وإن كان يعبر عن موروث ثقافي وحضاري تاريخي، ويجسد الحاجة الوطنية التنموية، فإنه يعبر في الوقت ذاته عن حاجة الشعب إلى الأمن والاستقرار المعيشي والحياتي، ورفضهم القبول بواقع العبودية التي كان يفرضها عليهم الزعماء المحليون داخل إقطاعياتهم الخاصة .

القراءة المتأنية في النقوش والآثار اليمنية القديمة والمخطوطات والمدونات والمصادر والمراجع التاريخية المختلفة، تؤكد أن الدويلات المحلية الصغيرة رغم ما حققه البعض منها من ازدهار ونفوذ داخلي وخارجي ظل دورها في التاريخ الحضاري اليمني والإنساني محدوداً ولم يترك ذلك الأثر والمجد الحضاري والإنساني الذي خلفته الدولة الوحدوية القوية، كما تؤكد نجاحات القادة والزعماء الوحدويين ضد أعدائهم وتمجدهم وتخلدهم، رغم ما تركه البعض من دمار وارتكبه من فظائع وجرائم بحق أعدائه، ومثل هذا التمجيد هو أبعد من أن يكون هدفه القائد بذاته ولكنه كان تمجيداً وتخليداً للقضية الوحدوية التي قاتل في سبيلها.

آخر وحدة عرفتها اليمن كانت في القرن السابع عشر على يد الإمام إسماعيل بن محمد القاسم التي لم تستمر طويلاً لعدم اقترانها بمشروع وطني تنموي حضاري يضمن نجاحها وازدهار الوطن وتمزق الدولة القاسمية ودخولها معترك الصراعات بين الأسرة الحاكمة في سبيل السلطة والثروة . الأمر الذي أضعف من قوة وتماسك اليمن ومهد لدخولها تحت السيطرة الاستعمارية وبالذات الأوروبية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن اليمن تعرضت للغزو الاستعماري البرتغالي في عهد الدولة الطاهرية إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل رغم استخدام المستعمرين الأسلحة النارية التي لم تكن معروفة حينها لدى اليمنيين لكن الدولة كانت قوية ومتماسكة وموحدة مما أهلها للصمود في وجه الغزاة.

سيطرة الأتراك على الشطر الشمالي والبريطاني على الشطر الجنوبي من اليمن أجهض كل المساعي والنضالات الوحدوية فقد اعتمد المستعمرون إستراتيجية التفتيت الداخلي للوطن كضمانة أكيدة لاستمرار وجودهم وسيطرتهم الاستعمارية.. إلا أن الوحدة ظلت قضية حية في الوعي والوجدان الاجتماعي والمكون الثقافي والروحي للشعب.. ومثلت حاضنة لحفظ الهوية الوطنية والتحريرية والثقافية، وسداً في وجه محاولة التغريب وطمس الهوية اليمنية والانتماء الوطني والتاريخي للشعب، كما مثلت شعاراً ومنطلقاً وأداة للنضال الوطني التحرري ضد الوجود الأجنبي.

على مدى أكثر من قرن قاتل أبناء الوطن الواحد جنباً إلى جنب ضد الوجود العثماني وتصدوا للغزو والاحتلال البريطاني، وكانت المناطق الشمالية حاضنة لكل المناضلين الجنوبيين ضد الاستعمار البريطاني ووفرت لهم المأوى ومقومات الحياة والعيش والدعم المادي والمعنوي الذي كان يقتطعه المواطنون من لقمة عيش أسرهم، وكذلك كانت المناطق الجنوبية حاضنة لأبناء الشمال.. في عدن تأسست أول حركة سياسية مناهضة للإمامة، وفي صنعاء تأسست أول جبهة للنضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وهذا تأكيد أن الوحدة اليمنية كحقيقة تاريخية ظلت حاضرة بقوتها وفعلها كقاعدة انطلاق للنضال الثوري اليمني من أجل الحرية والتقدم الحضاري وشكلت على الدوام الأساس الموضوعي (الاجتماعي، الثقافي، السياسي، الاقتصادي والعسكري) لنضال الشعب اليمني ضد الاستعمار والإمامة والكيانات التمزيقية بمسمياتها وشعاراتها وسلطاتها المختلفة.

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الحركات والتيارات الثورية والأحزاب السياسية التحررية التي بنت برامجها النضالية على أساس جهوي شطري وتجاهلت الوحدة اليمنية كقاعدة برامجية لنضالها ومشاريعها وأهدافها السياسية لم يكتب لها النجاح على الرغم من بلوغ العديد منها درجة كبيرة من النجاح والشهرة والنفوذ السياسي الخارجي والاجتماعي الجهوي؛ إلا أنه سرعان ما اعتراها الضمور السياسي والاجتماعي والثقافي، وأفل نجمها من ساحة النضال الوطني بسرعة رغم شدة سطوعه، وغادرت مسرح الأحداث بعد أن فرض الواقع وحقائقه الوحدوية والموضوعية والتاريخية عليها الاضمحلال والانطواء في ركن قصيّ ومجهول من التاريخ مفسحة المجال لقوى ثورية وحدوية جديدة خرجت بعض قياداتها وعناصرها من بين هذه الأحزاب والتيارات السياسية ذات النزعات الشطرية والجهوية.. هذه القوى الجديدة التي جعلت من الوحدة حاضنتها التاريخية والاجتماعية والسياسية وأداتها وهدفها الإستراتيجي استطاعت خلال فترة وجيزة فرض وجودها وهيمنتها وخياراتها وبرامجها على الساحة الوطنية.

منذ انتصارها كرست الثورة اليمنية ( 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963) جل جهودها وإمكاناتها وطاقاتها المادية والبشرية، للدفاع عن وجودها وخيارات الشعب في الحرية والاستقلال والازدهار الحضاري، وخاضت حروباً واسعة في التصدي للتآمرات الداخلية والخارجية، ونجحت الثورة في إخراج الشعب من واقعه الاستعماري وتحريره من أغلال التخلف والجهل والفقر، والنهوض بمستوى حياته المادية والروحية كمطلب ملح وقضية محورية لإعادة صياغة الوحدة اليمنية التي حتمت المزيد من الجهود والإمكانات في معالجة وإعادة إصلاح وترميم التمزقات والتشوهات والدمار الذي خلفه النظام الاستعماري الإمامي في كيان ووحدة الوطن ( الجغرافية، الاجتماعية، الثقافية، العقائدية الدينية) وإعادة تشكيل وبناء الكيانات والمكونات الجغرافية والسياسية القبلية التي خلفتها المراحل السابقة وإذابتها في النسيج الوطني العام للدولة داخل كل شطر على حده، والعمل في الوقت ذاته على تربية الأجيال على أسس ومعايير وحدوية خلقت جيلاً جديداً يتجاوز في ثقافته وقناعته الفكرية وسلوكه العملي أسوار التمزقات السياسية الجهوية والطائفية والمذهبية والقبلية وعبور الحواجز الفكرية والسياسية والاقتصادية الشطرية.

خلال ثلاثة عقود من تاريخها ساهمت الثورة في تجذير قيم الوحدة وفكرها وقواها الاجتماعية وتطهير ذاتها من الثقافات والميولات والقناعات ذات النزعات الانفصالية إلى جانب إعادة صياغة الواقع الوطني داخل كل شطر مادياً وثقافياً وتاريخياً واخلاقيا ًعلى أسس وطنية وحدوية.

التباين الأيديولوجي في نظم الحكم السياسي السائدة في الشطرين في مرحلة ما بعد الثورة وتمترس كل قيادة في الدفاع عن نهجها الأيديولوجي وخياراتها السياسية ومحاولة فرضها كقاعدة فكرية واقتصادية وسياسية تقوم عليها وحدة اليمن المنشودة، هذه التباينات لم تكن كافية لاحتواء المد الشعبي ضمن الحسابات السياسية الشطرية الضيقة.. وما تم فرضه من حواجز واشتراطات ومعوقات أمام المسيرة الوحدوية كانت في غالبها العام ذات منابع سياسية ذاتية ولاتمثل أسسا ومبررات موضوعية لها، ولهذا ظلت عاجزة عن الاستمرار في فعلها كحواجز وسدود أمام الوحدة التي فرضت وجودها على الساحة والوعي السياسي الرسمي والشعبي من خلال حربين شهدهما الشطران ومن خلال صراع سياسي وثقافي وعسكري طويل وغير مباشر كانت الوحدة على الدوام سببه الحقيقي وهدفه الرئيس؛ وشكل ذلك أحد الأسباب والدوافع المهمة لتطويع الإرادة السياسية الحاكمة وحتم على قيادة الشطرين الانصياع لقوانين التاريخ وتطوراته الموضوعية.. وجاءت الحوارات والاتصالات الوحدوية وتدرجها عبر مراحل مختلفة استجابة منطقية لإرادة الجماهير وقناعاتها الوحدوية.. وكان فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أكثر الزعماء اليمنيين استيعاباً لهذه الحقائق والمدركات الوطنية حين بادر إلى إخراج القضية الوحدوية من دائرة الحروب والمناورات والمساومات السياسية لأنظمة الحكم المتعاقبة في الشطرين إلى دائرة الحوار الجماهيري المباشر والمفتوح حررها من قيودها وأنزلها من الأبراج العالية للسلطة ومصالحها الضيقة إلى الشارع الشعبي الذي تعاطي معها من منظور مصالحه واحتياجاته الماسة إليها، ومثّل هذا الإجراء البداية العملية لربط الوحدة مباشرة بالشعب وهو نهج سياسي تبلور فيما بعد إلى ما يسمى بالمفهوم الديمقراطي للوحدة.. وحين أضحت الجماهير ممسكة بزمام القضية الوحدوية أصبح حلمها التاريخي حقيقة واقعية معاشة وبات من المستحيل على أي كان استخدامها للمناورات السياسية أو التراجع عنها تحت أي مبرر من المبررات؛ لأن ذلك يمثل خيانة للوطن والشعب وتضحياته الطويلة.

ولم يجد حينها أصحاب المصالح وحتى أشد الناس عداءً للوحدة في الداخل والخارج بداً من الانسياق مع هذا التيار الوحدوي الوطني الجارف والانصياع لإرادة الجماهير، ولم يتردد الكثير من أعداء الوحدة في الشطرين في إظهار مشاعرهم وأفراحهم وذرف (دموع التماسيح) يوم الإعلان عن وحدة الوطن، وكانت هذه إحدى وسائل التمويه الهادفة إلى إخفاء عدائهم للوحدة وتأكيد حضورهم الفاعل والمؤثر سلباً في إطار الكيان الوحدوي الجديد، وقد ظل هؤلاء في حالة كمون وسبات شتوي إلى أن لاحت لهم الفرصة والإمكانات المواتية للانقضاض على هذا الانجاز، وهذا ما حصل بالفعل حين أعلن بعض الشركاء في صناعة هذا الانجاز الانقلاب العسكري والارتداد على الوحدة في العام 1994م وهو ما يتأكد اليوم من خلال مشاريعهم التفكيكية ونهجهم الانفصالي والتدميري الذي لا ولن ينجح ما دامت الوحدة محروسة بعناية الله وبإرادة الشعب اليمني.
----------------------------------------------------------
الثلاثاء 18 مايو 2010 06:15 م

اليمن أولاً !

بقلم/ عبده بورجي
------------------

في لقاء جمعني بأحد القيادات التربوية المخضرمة دار بيني وبينه نقاش طويل حول مناهج التعليم وعلى وجه الخصوص مادتي التاريخ والتربية الوطنية في مختلف مراحل التعليم في مدارسنا وكان التساؤل يدور هل استطاعت مناهجنا التعليمية التربوية أداء دورها في غرس قيم الولاء والانتماء الوطني بقدر كافٍ في نفوس جيل الشباب والناشئة وهل محتواها الراهن يحقق هذه الغاية أم أن هناك ثمة اختلالات كبيرة وجوانب قصور ملموسة في هذه المناهج ولأسباب لا يتسع المجال لسردها هنا جعلها عاجزة وغير قادرة على خلق وعي معرفي وتوعية وطنية سليمة خاصة بحقائق التاريخ اليمني وإشراقات الحضارة اليمنية القديمة وإبراز مكونات الشخصية اليمنية وملامح الهوية الوطنية المرتبطة بها من قيم وإبداعات وريادة وشجاعة وإقدام وخصوبة في العطاء الإنساني وموروث ثقافي واجتماعي متميز بتنوعه وتفرده وتألقه حتى مع وجود بعض الهنات التي لا يمكن إنكارها .. وما من شك فأن قراءة فاحصة في مواد التاريخ والتربية الوطنية للمراحل الدراسية المختلفة تكشف الحقيقة المرة التي تبرز مدى الفجوة القائمة بين الغاية الوطنية المنشودة من مدخلات المناهج وبين المخرجات الناتجة عنها والتي للأسف لم تستطع إنتاج جيل يمني شاب متعلم محصن بقيم الولاء والانتماء الوطني وحب اليمن وجعلها أولاً وفوق كل الاعتبارات والمصالح الحزبية أو الذاتية والأنانية وغيرها.. ونتيجة لذلك وجدنا هذا الجيل يعش حالة التيه والاغتراب النفسي والتجهيل وغياب الوعي المعرفي بل والشعور بالدونية إزاء مسائل متصلة بالهوية الوطنية والفخر الوطني والاعتزاز بالانتماء لليمن أرضاً وإنساناً وتاريخاً وحضارة وثقافة وهوية.. بل أن ذلك الجيل أصبح في ظل تلك الحالة الملتبسة لديه حول تاريخه وانتمائه الوطني يشعر بعدم الثقة والاستعداد للتفريط والتهاون إزاء قضية الولاء الوطني والدفاع عنه وتمجيده وصيانة مصالحه والإعلاء من شأنه ومن رموزه السيادية والوطنية.. وزاد الطين بلة أن جماعات وقوى متربصة ومعادية أستغلت كل ذلك وقامت بشكل منظم ومبرمج بدور هدام استهدف عقول ونفوس هذا الجيل بهدف تخريبها من الداخل والتشويش على أي إدراك صحيح لدى المنتمي إلى هذا الجيل الذي ترعرع في كنف الثورة والجمهورية والوحدة وتشكيكه في كافة الحقائق ذات الصلة بالتاريخ اليمن قديمه وحديثه وتعبئته في اتجاهات خاطئة لتخلق جيلاً مهزوماً وسطحياً في تفكيره واهتماماته بل وناقماً ومتذمراً على واقعه الراهن وأداة سهلة في يدها تناهض به القيم والانجازات والمبادئ التي قدمت في سبيلها تضحيات غالية وجسيمة وذلك بعد أن بذلت تلك القوى كل جهدها من أجل طمس الحقائق عن العهود المظلمة والجوانب المأساوية البائسة التي عاشها الشعب اليمني وأجياله المتعاقبة سواء في عهد ما قبل قيام الثورة أو إعادة تحقيق الوحدة المباركة .. ومن المحزن القول أن المناهج التعليمية والى جانبها وسائل التثقيف والإعلام والتوعية والفكر والفن قد ساهمت إلى حد كبير في أن يجد مثل هؤلاء المتربصون فرصتهم للتشويش على الذاكرة الوطنية لدى قطاع واسع من جيل الشباب والناشئة الذين لم تقدم لهم تلك المناهج والوسائل جرعات كافية للإلمام بواقع الماضي وماسية وأحزانه وإظهار مخاطر إستجلابه أو العودة إليه مرة أخرى تحت أي شعار أو رداء أو تبرير..
 
لهذا ينبغي أن تكون هناك وقفة وطنية مسؤولة إزاء إعادة النظر في مناهج التعليم والتربية وتحديداً مادتي التربية الوطنية والتاريخ ومن مختصين ومفكرين يستشعرون مسؤوليتهم الوطنية في بناء جيل يمني محصن بالقيم الفاضلة الدينية والوطنية ومبادئ الولاء والانتماء الوطني وغرس مفاهيم الحب لليمن والاعتزاز والفخر بالانتساب إليه وهناك إشراقات رائعة في سفر الحضارات اليمنية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ والذي هو بدوره حافل بالأدوار والمواقف والانجازات والعطاءات المتميزة التي قدمها اليمنيون عبر مسيرتهم التاريخية وحضاراتهم القديمة التي كانوا الرواد في إِشادتها كحضارات حيّاة وتقدم وإزدهار وبناء ممالك وإمارات ودول على أسس من التنظيم والشورى والقوة والمنعة والبأس الشديد .. وكذا ما تلى ذلك من مواقف الانتصار لراية الإسلام ونشرها في مختلف أصقاع الأرض وكانوا "الأنصار" الصادقين الأوفياء الحاضنين للمبشر العظيم (ص) ورسالته المحمدية السمحاء وصحبه الأخيار وكانوا الجنود الأشداء الطلائع في ركب الفتوحات الإسلامية ورسل العقيدة والحق والعدل والفضيلة الذين جسدوا بسلوكهم المثالي وتعاملهم الإنساني الرفيع القدوة الحسنة التي أهتدى بها الآخرون من شعوب العالم في "شرق وجنوب آسيا وشمال أفريقيا وغيرها" ليدخلوا في دين الله أفواجاً .. لتتواصل بعد ذلك مسيرة الكفاح انتصاراً للذات والكرامة الإنسانية ومواجهة الظلم والاستلاب والتخلف وإعلاء قيم الحرية والاستقلال والحياة .. فهذه هي اليمن وهؤلاء هم اليمنيون صناع التاريخ وأصل العروبة الذين ينبغي أن تعرف حقيقتهم أجيال اليمن وتعتز بانتمائها لهم وأن تعمل مناهجنا التعليمية والتربوية وكل وسائل التثقيف والتوعية والإعلام والفكر والفن من أجل النهوض به، وهذا هو الواجب الذي ينبغي أن لا يتقاعس عن أدائه أي يمني غيور يحب وطنه أينما كان موقعه أو انتماؤه أو قناعاته الفكرية وسواء داخل الأسرة أو في نطاق المجتمع .. فاليمن بحاجة إلى جهود كل أبنائها .. وهي تستحق منا جميعاً أن نعمل من أجلها الكثير الكثير وأن نغرس في نفوس أبناءنا وأحفادنا معاني الحب والوفاء وصدق الولاء والانتماء لها وبحيث يكون شعارنا دوماً وجميعاً "اليمن أولاً" نتفق ونتباين تحت ظلالها ومن أجلها فهي أساس وجودنا ومصيرنا وهويتنا ومستقبل أجيالنا القادمة .. فهل من يدرك؟!.
--------------------------------------------------------------
السبت 12 ديسمبر-كانون الأول 2009 09:04 م

عن الاتحاد العربي وطبول الحرب في الشرق الاوسط.

بقلم/ فيصل جلول
-----------------------
نريد الوحدة العربية "وفق مثال الامارات العربية المتحدة"...تلك هي الصورة التي رسمها اليمن لمشروع الاتحاد العربي الذي جرى بحثه في قمة طرابلس الخماسية أواخر حزيران يونيو الماضي. واذا كانت نتائج البحث في القمة لم تصل الى تبني هذه الصيغة فانها صارت قيد البحث تماماً كالمبادرة الاتحادية اليمنية التي قدمت من قبل والتي قيل انها ستنام في ادراج الجامعة العربية فاذا بالقمة العربيةالاخيرة في "سرت" تتبنى البحث فيها وتشكل لجنة لتفعيلها.

وفي هذا السياق يمكن القول ان دول الجامعة العربية منقسمة الى تيارين واحد يقول بتطوير العمل العربي المشترك من خلال آلية الجامعة العربية التقليدية وتيار يقول بتجاوز هذا الاطار والبحث في صيغة اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاماراتي والراجح ان التيار الثاني سينتقل الى العمل بايقاعه الخاص في اطارالجامعة العربية وبالتالي سيبحث في كيفية تطوير الصيغة الاتحادية على ان تتم بين الدول التي توافق عليها اولاً وان تلتحق دول اخرى بهذا التيار عندما ترى وجوب الالتحاق.

والظن الغالب ان العمل وفق الصيغة الاتحادية مشابه للعمل في اطار الاتحاد الاوروبي بايقاعين أو ثلاثة وقد لاحظنا ان العمل وفق هذا المنهج كان ناجحاً في مناسبتين الاولى عندما جرى تطبيق تأشيرة «شينغين» ضمن عدد محدود من الدول الاوروبية والثانية عند تطبيق العملة الموحدة التي من المقرر ان تشمل في القريب العاجل اكثر من نصف عدد دول الاتحاد ومن المعروف ان العمل بايقاعين أو ثلاثة داخل الاتحاد الاوروبي لا يفضي الى مشاحنات بين الدول الاعضاء اذ يحترم كل فريق رغبة الفريق الآخر في التقارب والدفاع عن المصالح المشتركة بالطريقة الاتحادية التي يراها مناسبة ومن المتوقع ان تسود هذه الروح العمل الاتحادي في سياق الجامعة العربية اذا ما ادرك كل تيار ان مصالحه محفوظة في كلا الصيغتين.

تبقى الاشارة الى ان صيغة الجامعة العربية ماعادت تتلاءم مع التطورات الطارئة بعد انهيارالحرب الباردة ناهيك عن انها غير فعالة اذا ما تباعدت السياسات بين الدول المؤثرة في الجامعة بل يمكن القول ان هذا التباعد يطيح بكل مسعى للعمل المشترك. وتفصح تجربة الجامعة عن بلوغ العمل المشترك ذروته عندما كانت الجامعة متمحورة حول القطب المصري في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وقد استمرت على هذه الحال حتى حرب اكتوبر تشرين الاول عام 1973 التي استخدمت فيها الجامعة سلاح النفط وانحسر دورها بعد اتفاقية «كامب ديفيد» وعزل جمهورية مصر العربية وانتقال مقر الجامعة الى تونس الى ان غاب دور الجامعة تماماً بعد اجتياح الكويت عام 1990 وهي وان عادت من بعد الى الالتئام في اطار القمم العربية فان التئامها لا يرقى الى الطموحات في عمل عربي اقليمي مشترك وجدي يملأ سماء الشرق الاوسط اثراً ايجابياً ويعين العرب على النهوض بين الدول والمجموعات الاقليمية الناهضة.

حسناً فعلت صنعاء باقتراح صيغة الاتحاد على الطريقة الاماراتية فهذه الصيغة كفيلة بان تزيد التقارب والتفاهم بين كتلة من الدول العربية ترى بأن مصير العرب يجب ان يبقى بايدي العرب وليس بأيدي غيرهم من الابعدين الاجانب على ضفتي الاطلسي او الاقربين من الاشقاء المسلمين في تركيا وايران.ويمكن لهذه الصيغة ان تحفظ الروابط مع الدول الاخرى التي سيكون من حقها ان تقرر لاحقاً وعندما ترى ان الانضمام الى هذه الصيغة مفيد لها ويخدم مصالحها.

قد يرى البعض ان القمة الخماسية في طرابلس انطوت على فشل ذريع وهو حكم متسرع ذلك ان القمة المذكورة كانت اصلاً استطلاعية وبالتالي ما كانت محل رهان لدفع المشروع الاتحادي الى الامام علماً بأنها اتاحت اطلاق المزيد من التفاصيل حول المشروع ويبقى على المعنيين به ان يرسموا المبادرات الكفيلة بدفعه الى الامام.

طبول الحرب

تفيد انباء منشورة في باريس ان وزير الدفاع الاسرائيلي «ايهود باراك» طلب من نظيره الامريكي خلال زيارته الاخيرة لواشنطن زيادة المخزون الاستراتيجي العسكري الامريكي في اسرائيل تحسباً لحرب جديدة في المنطقة وطلب باراك شراء ذخائر موجهة للطائرات الحربية الاسرائيلية كتلك التي استخدمت في حربي (لبنان وغزة) وتفيد الانباء نفسها ان اسرائيل تريد في حال اندلاع حرب طويلة ضد ايران أو سوريا أو لبنان أو فلسطين ان يكون بوسعها الاستناد الى هذا المخزون الاستراتيجي كسباً للوقت وبالتالي تفادي انتظار جسر جوي مع امريكا كالذي اقيم في حرب اكتوبر تشرين الاول عام 1973 .

من جهة ثانية تفيد تحليلات متداولة في لبنان ان الاشتباك بين بعض اهالي القرى في الجنوب اللبناني وقوات اليونيفيل مرده الى مناورات اجرتها القوات الدولية تحسباً لحرب مقبلة ويشار الى ان الاهالي يتهمون عناصر من القوات الدولية بدخول قراهم عنوة للتفتيش عن الاسلحة خدمة لمصالح اسرائيل في حين ترى هذه القوات ان دورها يقتضي تطبيق القرار (1701) الذي وضع حداً للحرب الاسرائيلية على لبنان. ومن بين المؤشرات الاخرى على الخوف من اندلاع حرب في المنطقة انباء منشورة في بيروت تفيد أن الرئيس بشار الاسد ابلغ الاسرائيليين رسالة واضحة عبر وسيط امريكي مفادها ان اعتداءً اسرائيلياً على الاراضي السورية سيؤدي بالضرورة الى رد فعل سوري بالحجم والقوة التي تحددها دمشق وهذا التهديد ربما يكون الاول من نوعه الذي يصدر عن دمشق منذ سنوات.

وعلى الرغم من الصدى الغالب لطبول الحرب في المنطقة فإن انباء اخرى نشرت في باريس تفيد أن الولايات المتحدة حذرت اسرائيل من شن حرب جديدة في المنطقة يصعب التحكم في نتائجها في ظل حربي افغانستان والعراق.

القات كما وكمان

تلقيت عددا من الرسائل البريدية يلوموني مرسلوها على تشجيعي لظاهرة القات في اليمن ويقولون بأنني لم اكن حذراً بما فيه الكفاية إذ اشدت بالمقايل وبآثارها الايجابية ويجمع المرسلون وهم من انصار مكافحة القات على القول ان هذه الظاهرة اطاحت بالزراعة اليمنية وبخاصة البن والحبوب واطاحت بمصادر المياه الشحيحة اصلاً وتطيح بمداخيل عدد كبير من اليمنيين من ذوي الدخل المحدود وهي تلتهم وقتاً كان يمكن لليمنيين استغلاله في العمل المنتج ناهيك عن انها تتسسب بأمراض خطيرة تودي بحياة عددٍ كبير من المواطنين وترهق ميزانية الدولة بالعلاج والبعثات الطبية الى الخارج.

ولا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أشد على ايدي كل المكافحين لظاهرة القات وان أوافقهم على ما ورد في رسائلهم وإن اعتقدوا ان موقفي يمكن ان يدفع بحملتهم الى الامام فأنا اتعهد بالوقوف الى جانبهم ذلك انني عندما تحدثت عن القات قلت بأن موقفي منحاز وليس موضوعياً وبالتالي كنت ضمناً الى جانب المحتجين وليس المؤيدين لهذه الظاهرة.

واخيراً تلقيت بريداً من احد الاصدقاء ينبهني الى ان مقيل صديقنا المشترك محيي الدين الضبي يهتم بالاقتصاد والدبلوماسية وهو محق في هذه الاشارة التي غابت عن المقال السابق حول المقايل بفعل التكثيف والسرعة في العرض أما اشارتي الى الطابع البرجوازي للمقيل فهي من قبيل الدعابة وليست ناجمة عن تفسير طبقي ارى انه لا يوائم أياً من المقايل التي اشرت اليها.
---------------------------------------------
الخميس 08 يوليو-تموز 2010 09:05 ص

نحو تجاوز اليمن لأزماته... بالحوار؟

بقلم/ خير الله خيرالله
-----------------------------

يبدو اليمن وكأنه يسير خطوة خطوة في اتجاه تجاوز ازماته الداخلية. لا يزال مبكرا اصدار حكم مبرم بأن البلد تجاوز مرحلة الخطر، لكن الأكيد ان ما تحقق في الأسابيع القليلة الماضية يشجع على التفاؤل. كانت الخطوة الأولى في هذا السياق التوصل الى اتفاق لوقف النار مع زعماء التمرد الحوثي. لا شك ان ذلك لم يكن ممكنا الاّ بسبب عاملين. العامل الأول انهاك الحوثيين عسكريا. وهذا ما حصل بالفعل. اما ألاخر، فيتمثل في سحب الغطاء القبلي الذي كان الحوثيون يتمتعون به والذي حال دون الحسم العسكري. استطاعت الدولة اليمنية في نهاية المطاف التعاطي مع هذا الموضوع الدقيق وامنت حدا ادنى من التباعد بين الحوثيين والمجتمع القبلي بما يضمن انتصار منطق الدولة على كل ما عداه في المسقبل المنظور.

لا شك ان الأنتصار النهائي لمنطق الدولة لا يكون الا عبر خطة تنموية تشعر المواطنين في كل المحافظات المعنية، على رأسها الجوف وعمران وصعدة وحجة، بأن هناك اهتماما بهم. وهذه المسؤولية ليست مسؤولية الدولة اليمنية ذات الأمكانات المحدودة وحدها، بل هي مسؤولية المجتمع الدولي ودول الجوار التي من مصلحتها قطع الطريق على اي تدخلات اجنبية، ايرانية وغير ايرانية، في تلك المنطقة الحساسة.

لا مفرّ، في ما يبدو، من وضع خطة تنموية شاملة تؤدي الى جعل المواطن اليمني في المحافظات الأربع المعنية وفي غيرها من المحافظات بأن لديه مصلحة في الأستقرار وعدم حمل السلاح في وجه الدولة. ولا شك ان اقامة مدارس ومستوصفات وخلق فرص عمل تشكل خطوة اولى على طريق ربط المواطن بالدولة من دون ان يعني ذلك تخليه عن ولائه القبلي او المذهبي، علما ان الولاء المذهبي لم يكن يوما ذا شأن في اليمن قبل ان توجد جهات خارجية عملت على ابراز الظاهرة وتضخيمها لأسباب مرتبطة بمصالح خاصة بها. انها مصالح لا علاقة لها من قريب او بعيد بمصلحة اليمن الذي عاش مجتمعه الاف السنين بعيدا عن هذا النوع من الأوبئة والأمراض.

يفترض في توقف المعارك والعمليات العسكرية في صعدة والجوف وعمران وحجة الاَّ يؤدي الى حال من الجمود والمراوحة. على العكس من ذلك، الآن هو وقت العمل الجدي من اجل تفادي حرب سابعة مع الحوثيين ومن يدعمهم وقطع الطريق نهائيا على الفتنة واحتمال تجددها. بكلام اوضح، ما يبدو اكثر من طبيعي في هذه المرحلة التركيز على الوضع في صعدة والمنطقة المحيطة بها من دون ان يعني ذلك في اي شكل التغاضي عمّا يدور في المحافظات الجنوبية والشرقية، خصوصا في لحج وابين وشبوة وحتى في حضرموت وعدن نفسها.

ربما كان اهم تطور يشهده اليمن حاليا ان الرئيس علي عبدالله صالح يعي تماما ان ثمة فرصة لإنجاز تسوية في الجنوب تحفظ مصلحة الجميع، خصوصا مصلحة المواطن اليمني وذلك في ضوء التوصل الى وقف للنار مع الحوثيين في اقصى الشمال. هناك وعي لأهمية تفادي اللجوء الى القوة لحل المشاكل القائمة. من هذا المنطلق كانت دعوته القوى التي يتشكل منها الحراك السلمي الجنوبي الى الحوار. كان هناك من يظن ان الرئيس اليمني سينتهز فرصة التوصل الى وقف للنار مع الحوثيين من اجل التركيز عسكريا على الجنوب. لم يحصل ذلك. اختار علي عبدالله صالح مناسبة زيارته للأكاديمية العسكرية العليا، قبل ايام، ليدعو الى الحوار وليعلن عن تشكيل لجان تتولى الحوار قائلا:" انا متأكد ان الأعلام الشطرية (اعلام ما كان يٌعرف بالشطر الجنوبي قبل الوحدة) ستحرق في الأيام والأسابيع القادمة. لدينا علم واحد استفتينا عليه بإرادتنا الحرة. واي مطالب سياسية سنرحب بها. تعالو نتحاور".

لا شك ان اي حوار لا بدّ ان يأخذ في الأعتبار ان هناك اسبابا ادت الى الحراك في الجنوب. هناك تجاوزات حصلت وهناك اهمال واستخفاف غير مقبولين بأبناء محافظات معينة. لكن هناك امرا لا يمكن تجاهله يتمثل في ان امكانات الدولة اليمنية محدودة وهي عملت، على الرغم من ذلك، على اقامة مشاريع في المحافظات الجنوبية والشرقية وتشجيع الأستثمار فيها على حساب مناطق اخرى في احيان كثيرة. لم يؤد ذلك الى النتائج المتوخاة، خصوصا ان كثيرين لا يسعون سوى الى التركيز على النواحي السلبية، في مقدمها التجاوزات التي مارسها نافذون، وهي للأسف الشديد كثيرة. لكن هذه التجاوزات تظل من النوع الذي يمكن اصلاحه والقضاء عليه.

هناك الآن دعوة الى الحوار. لماذا لا تعقد طاولة حوار يشارك فيها الجميع، من دون استثناء، في مناسبة اقتراب الذكرى العشرين لأعلان الوحدة في الثاني والعشرين من ايار- مايو 1990. تحت سقف الوحدة، التي تضمن عدم تحول اليمن الى دويلات متناحرة من منطلقات مذهبية وطائفية وقبلية ومناطقية، يمكن التوصل الى صيغ حضارية تطور مفهوم الوحدة بما يحفظ مصالح الجميع وكراماتهم. اوليست صيغة اللامركزية الموسعة من بين الصيغ التي تستأهل نقاشا في العمق؟

هذا ليس وقت تصفية الحسابات في اليمن. هناك مهمة تتطلب ان يتصدى لها الجميع. انها مهمة التصدي للارهاب والعمل على اجتثاثه من جذوره. الارهاب خطر على اليمن كله من اقصى الشمال، الى اقصى الجنوب مرورا بالوسط في طبيعة الحال. التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة لا تكون عن طريق مشاريع انفصالية بمقدار ما انها تتطلب التركيز على التعليم والبرامج التربوية الحديثة وبناء مدارس وتطوير الزراعة والخدمات الصحية وتثقيف المرأة بدل البحث في كيفية شراء اسلحة. لا حلّ لمشاكل اليمن إلاّ بالحوار، بين متساوين، شرط ان يكون هذا الحوار بهدف التوصل الى صيغة عملية تحفظ ماء الوجه للجميع بعيدا عن اي نوع من انواع الهيمنة. انها صيغة تمكن جميع الذين شاركوا في صنع الوحدة من الأحتفال بالذكرى العشرين لقيامها. من يريد ان يتذكر ان الوحدة، لدى قيامها، كانت طلاقا مع الماضي وان الشعار الذي كان ينادي به الجميع في بداية التسعينات من القرن الماضي ان الوحدة "جبّت" ما قبلها، اي ان ما مضى قد مضى ولا ضروة للعودة اليه. لماذا لا يكون هناك وعي لضرورة فتح صفحة جديدة في اليمن، ما دام الرئيس نفسه اخذ مبادرة الدعوة الى الحوار؟
---------------------------------------------------
الخميس 11 مارس - آذار 2010 08:58 ص

اليمن ومجلس التعاون والمركب الواحد

بقلم/ خير الله خيرالله
 ----------------------

كان مؤتمر المانحين لدعم التنمية في اليمن الذي انعقد في لندن قبل أيّام خطوة في اتجاه تصحيح الأوضاع السائدة في المنطقة العربية عموماً وفي شبه الجزيرة العربية تحديداً. تدلّ علي ذلك نتائج المؤتمر الذي توّج بحصول اليمن علي مساعدات وتسهيلات مالية بقيمة أربعة بلايين وسبعمئة مليون دولار. هذا الرقم مهمّ وكان من الأفضل لو زاد علي ذلك. لكنّ ما هو أهم من الرقم مشاركة أربعين دولة ومؤسسة دولية في مؤتمر لندن الذي كان بين الداعين له مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزارتا التنمية الدولية والخارجية البريطانيتان فضلاً عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية وصناديق التنمية في دول مجلس التعاون ومؤسسات دولية واسلامية عدّة.

جاء نصف المساعدات والتسهيلات من دول مجلس التعاون. وكان الرئيس علي عبدالله صالح، الذي جاء إلي لندن للمشاركة في المؤتمر فحضر جلسة الافتتاح وكان أبرز المتحدثين في المؤتمر الصحافي الذي اختتم به المؤتمر، في غاية الوضوح عندما تحدث عن بداية مرحلة الشراكة الحقيقية بين دول مجلس التعاون من جهة واليمن من جهة أخري. والواقع، أنه يفترض في العلاقة بين الجانبين أن تدخل مرحلة أكثر تقدّماً في مجال الشراكة، أي إلي مرحلة وحدة الحال من زاوية أن اليمن يُعتبر الحديقة الخلفية لمجلس التعاون والخزّان البشري العربي فيه. والأكيد أن هذا الخزّان عنصر من العناصر المهمّة التي تحافظ علي التوازن السكاني في المنطقة علي نحو يصبّ في حماية عروبتها. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الحجم السكّاني لليمن في المنطقة ولا يمكن في الوقت ذاته تفادي الاعتراف بأنّ بعض دول المنطقة تشكو من طغيان العمالة الأسيوية وغير الأسيوية بما يطرح في المديين المتوسّط والبعيد، وثمة من يقول في هذه الأيّام بالذات، مشاكل من النوع الذي يؤدي إلي انعكاسات سلبية علي التركيبة السكّانية في منطقة الخليج.

بعيداً عن هذا النوع من المشاكل التي تتحدث عنها شخصيات خليجية تتمتع بالشجاعة منذ فترة طويلة ولكن من دون أن يؤدّي ذلك إلي أيّ اجراءات ذات طابع عملي علي صعيد التصدّي لها، لا بدّ من الاعتراف بأنّ التقارب بين اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية دخل مرحلة مختلفة. ستقود هذه المرحلة عاجلاً أم آجلاً إلي انضمام اليمن إلي المجلس بعيداً عن الحساسيات المبالغ بها والتي كانت سمة ميزّت العلاقات بين صنعاء وعدد من العواصم الخليجية. كان هناك دائماً من يتحدّث عن وجود عقبات كبيرة في وجه ايّ تقارب بين اليمن ومجلس التعاون. بين هذه العقبات انزعاج بعضهم من الوحدة اليمنية ومن التعددية الحزبية في اليمن وحتي من النقاش المفتوح الذي يشهده مجلس النوّاب اليمني، وهو نقاش كان ينقل مباشرة عبر التلفزيون ويعطي فكرة عن الحياة السياسية في البلد الفقير في حين أن مثل هذه الحياة غائبة عن دول غنيّة مكتوب علي شعوبها أن تكون محرومة من أي نشاط ذي طابع سياسي، وكأنّ هذه الشعوب لم تبلغ بعد سنّ الرشد. وكان هناك انزعاج من قدرة اليمن علي اتّباع سياسة متحررة علي غير صعيد من أيّ وصاية خارجية من أي نوع كان. وكان هناك من يتذرّع في الماضي بأنّ اليمن يتّبع نظاماً مختلفاً عن أنظمة كلّ الدول الأخري في مجلس التعاون نظراً إلي أنّه الجمهورية الوحيدة في المنطقة المحيطة به. وكان ذلك بمثابة سبب كاف لاستبعاده عن المجلس، أقلّه بالنسبة إلي بعضهم. ومن الذرائع الأخري التي أستُخدمت لمنع اليمن من أن يكون علي علاقة عضوية بمجلس التعاون، ذريعة أن لديه مشاكل حدودية مع البلدين اللذين لديه حدود برّية معهما أي مع سلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعودية. أستطاع اليمن التوصّل إلي اتفاق مع عُمان في شأن الحدود. وفي العام 2000، توصّل إلي معاهدة مع السعودية وضعت حدّاً لنزاع عمره ما يزيد علي ستّة عقود. وإلي الآن هناك من لا يصدّق أن هذا الأمر قد حصل!

علي الرغم من أنّه لم تعد هناك مشاكل تذكر بين اليمن ودول مجلس التعاون، بقيت العلاقة بين الطرفين تراوح مكانها، علماً أن الرغبة اليمنية في البحث في تقارب جدّي مع مجلس التعاون ظهرت إلي العلن في العام 1996 . واذا كان لا بدّ من كلمة حقّ تقال، فهي أن أمير قطر صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امتلك وقتذاك ما يكفي من بعد النظر لدعوة الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون إلي البحث في العلاقة مع اليمن. وكانت سلطنة عُمان العضو الآخر الوحيد الذي أبدي وقتذاك نوعاً من التفهم لهذا الموضوع الحسّاس.

تغيّر العالم وتغيّرت المنطقة. هناك بكلّ بساطة تحدّيات جديدة تواجه دول شبه الجزيرة العربية بما في ذلك اليمن. لذلك، بدا التقارب بين صنعاء والعواصم الخليجية الأخري أكثر من حتمي. هناك حاجة إلي التفكير بطريقة مختلفة تقوم علي أن أمن المنطقة كلّ لا يتجزّأ. وبكلام أوضح، أن أمن اليمن من أمن دول مجلس التعاون والعكس صحيح. ومن هذا المنطلق، كان طبيعياً أن تبدأ عملية ازالة الحساسيات التي تحكّمت بالعلاقة بين الطرفين تمهيداً لتجاوزها بشكل نهائي في مرحلة ما. لم يعد طبيعيّاً أن تكون اليمن مهدّدة من داخل بسبب مواردها المحدودة بعدما قطعت شوطاً بعيداً علي طريق القيام بالاصلاحات السياسية التي تتماشي مع عملية دخول القرن الحادي والعشرين. وتوّجت الاصلاحات بالانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر- أيلول الماضي . شهدت الانتخابات تلك تنافساً حقيقيّاً بين علي عبدالله صالح وآخرين علي رأسهم مرشّح المعارضة ممثّلة بلقاء أحزاب اللقاء المشترك .ولم توفّر المعارضة طريقة الاّ واستخدمتها من أجل اسقاط الرئيس اليمني...

كان لا بدّ من الاصلاحات السياسية. لكنّ هذه الاصلاحات لا تكفي لتكريس الاستقرار في البلد. أن الاستقرار السياسي تحقق إلي حدّ ما في اليمن الذي استطاع تجاوز كلّ العقبات التي واجهت البلد بعد استعادته وحدته في الثاني والعشرين من مايو- أيّار 1990 . لكن هذا الاستقرار يظل نسبياً، حتي لا نقول مهدّداً، من دون الأمن الاقتصادي والاجتماعي. وكان الرئيس اليمني في غاية الصراحة في لندن عندما تحدّث عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها بلاده وعن ضرورة السعي إلي ايجاد حلول لها. لم ير علي عبدالله صالح عيباً في القول أن المواطن اليمني يريد الدواء والخبز والمياه والطاقة وأن المعركة هي مع الفقر والجهل والبطالة. في النهاية، كان لا مفرّ من ظهور وعي خليجي إلي جانب وعي دولي لأهمّية دعم اليمن في عملية التنمية، ذلك أن لا شيء يشجع علي نشوء الارهاب ونموّه أكثر من الجهل والفقر. أكثر من ذلك، ماذا ينفع دولة مثل السعودية اذا أقامت جداراً أمنيّاً علي طول حدودها مع العراق، وهو ما تفكّر فيه جدّياً هذه الأيّام، ولم تلتفت إلي ما يدور في الحديقة الخلفية لدول مجلس التعاون، أيّ إلي ما يدور في اليمن؟ الجميع في مركب واحد. ولذلك، أنّ الاستثمار في الاستقرار اليمني عن طريق توفير الدعم الاقتصادي لهذا البلد هو بمثابة استثمار في الأمن الخليجي أيضاً... وفي ما هو أبعد من ذلك أيضاً نظراً إلي العلاقات التي تربط اليمن بالقرن الأفريقي وتأثّره بما يدور في تلك المنطقة.

لا يمكن الحديث عن مؤتمر المانحين لدعم اليمن بصفة كونه مجرّد خطوة متواضعة في الطريق الصحيح، أي في اتجاه بدء ربط اليمن بمجلس التعاون. ما حدث كان منعطفاً في اتجاه حسم موضوع العلاقة بين اليمن ودول مجلس التعاون. هناك باختصار تحديات جديدة وكبيرة أمام الجميع ليس في استطاعة أيّ طرف تجاهلها. انها تحدّيات من النوع الذي يفرض تجاوز كلّ أنواع الحساسيّات في وقت يبدو الشرق الأوسط كلّه مقبلاً علي أحداث ضخمة يصعب التكهن بالنتائج التي ستترتّب عليها.
-----------------------------------------
الثلاثاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 04:12 م