أخبار الميثاق موبايل

أخبار الميثاق موبايل

اليمن ومجلس التعاون والمركب الواحد

بقلم/ خير الله خيرالله
 ----------------------

كان مؤتمر المانحين لدعم التنمية في اليمن الذي انعقد في لندن قبل أيّام خطوة في اتجاه تصحيح الأوضاع السائدة في المنطقة العربية عموماً وفي شبه الجزيرة العربية تحديداً. تدلّ علي ذلك نتائج المؤتمر الذي توّج بحصول اليمن علي مساعدات وتسهيلات مالية بقيمة أربعة بلايين وسبعمئة مليون دولار. هذا الرقم مهمّ وكان من الأفضل لو زاد علي ذلك. لكنّ ما هو أهم من الرقم مشاركة أربعين دولة ومؤسسة دولية في مؤتمر لندن الذي كان بين الداعين له مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزارتا التنمية الدولية والخارجية البريطانيتان فضلاً عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية وصناديق التنمية في دول مجلس التعاون ومؤسسات دولية واسلامية عدّة.

جاء نصف المساعدات والتسهيلات من دول مجلس التعاون. وكان الرئيس علي عبدالله صالح، الذي جاء إلي لندن للمشاركة في المؤتمر فحضر جلسة الافتتاح وكان أبرز المتحدثين في المؤتمر الصحافي الذي اختتم به المؤتمر، في غاية الوضوح عندما تحدث عن بداية مرحلة الشراكة الحقيقية بين دول مجلس التعاون من جهة واليمن من جهة أخري. والواقع، أنه يفترض في العلاقة بين الجانبين أن تدخل مرحلة أكثر تقدّماً في مجال الشراكة، أي إلي مرحلة وحدة الحال من زاوية أن اليمن يُعتبر الحديقة الخلفية لمجلس التعاون والخزّان البشري العربي فيه. والأكيد أن هذا الخزّان عنصر من العناصر المهمّة التي تحافظ علي التوازن السكاني في المنطقة علي نحو يصبّ في حماية عروبتها. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الحجم السكّاني لليمن في المنطقة ولا يمكن في الوقت ذاته تفادي الاعتراف بأنّ بعض دول المنطقة تشكو من طغيان العمالة الأسيوية وغير الأسيوية بما يطرح في المديين المتوسّط والبعيد، وثمة من يقول في هذه الأيّام بالذات، مشاكل من النوع الذي يؤدي إلي انعكاسات سلبية علي التركيبة السكّانية في منطقة الخليج.

بعيداً عن هذا النوع من المشاكل التي تتحدث عنها شخصيات خليجية تتمتع بالشجاعة منذ فترة طويلة ولكن من دون أن يؤدّي ذلك إلي أيّ اجراءات ذات طابع عملي علي صعيد التصدّي لها، لا بدّ من الاعتراف بأنّ التقارب بين اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية دخل مرحلة مختلفة. ستقود هذه المرحلة عاجلاً أم آجلاً إلي انضمام اليمن إلي المجلس بعيداً عن الحساسيات المبالغ بها والتي كانت سمة ميزّت العلاقات بين صنعاء وعدد من العواصم الخليجية. كان هناك دائماً من يتحدّث عن وجود عقبات كبيرة في وجه ايّ تقارب بين اليمن ومجلس التعاون. بين هذه العقبات انزعاج بعضهم من الوحدة اليمنية ومن التعددية الحزبية في اليمن وحتي من النقاش المفتوح الذي يشهده مجلس النوّاب اليمني، وهو نقاش كان ينقل مباشرة عبر التلفزيون ويعطي فكرة عن الحياة السياسية في البلد الفقير في حين أن مثل هذه الحياة غائبة عن دول غنيّة مكتوب علي شعوبها أن تكون محرومة من أي نشاط ذي طابع سياسي، وكأنّ هذه الشعوب لم تبلغ بعد سنّ الرشد. وكان هناك انزعاج من قدرة اليمن علي اتّباع سياسة متحررة علي غير صعيد من أيّ وصاية خارجية من أي نوع كان. وكان هناك من يتذرّع في الماضي بأنّ اليمن يتّبع نظاماً مختلفاً عن أنظمة كلّ الدول الأخري في مجلس التعاون نظراً إلي أنّه الجمهورية الوحيدة في المنطقة المحيطة به. وكان ذلك بمثابة سبب كاف لاستبعاده عن المجلس، أقلّه بالنسبة إلي بعضهم. ومن الذرائع الأخري التي أستُخدمت لمنع اليمن من أن يكون علي علاقة عضوية بمجلس التعاون، ذريعة أن لديه مشاكل حدودية مع البلدين اللذين لديه حدود برّية معهما أي مع سلطنة عُمان والمملكة العربيّة السعودية. أستطاع اليمن التوصّل إلي اتفاق مع عُمان في شأن الحدود. وفي العام 2000، توصّل إلي معاهدة مع السعودية وضعت حدّاً لنزاع عمره ما يزيد علي ستّة عقود. وإلي الآن هناك من لا يصدّق أن هذا الأمر قد حصل!

علي الرغم من أنّه لم تعد هناك مشاكل تذكر بين اليمن ودول مجلس التعاون، بقيت العلاقة بين الطرفين تراوح مكانها، علماً أن الرغبة اليمنية في البحث في تقارب جدّي مع مجلس التعاون ظهرت إلي العلن في العام 1996 . واذا كان لا بدّ من كلمة حقّ تقال، فهي أن أمير قطر صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امتلك وقتذاك ما يكفي من بعد النظر لدعوة الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون إلي البحث في العلاقة مع اليمن. وكانت سلطنة عُمان العضو الآخر الوحيد الذي أبدي وقتذاك نوعاً من التفهم لهذا الموضوع الحسّاس.

تغيّر العالم وتغيّرت المنطقة. هناك بكلّ بساطة تحدّيات جديدة تواجه دول شبه الجزيرة العربية بما في ذلك اليمن. لذلك، بدا التقارب بين صنعاء والعواصم الخليجية الأخري أكثر من حتمي. هناك حاجة إلي التفكير بطريقة مختلفة تقوم علي أن أمن المنطقة كلّ لا يتجزّأ. وبكلام أوضح، أن أمن اليمن من أمن دول مجلس التعاون والعكس صحيح. ومن هذا المنطلق، كان طبيعياً أن تبدأ عملية ازالة الحساسيات التي تحكّمت بالعلاقة بين الطرفين تمهيداً لتجاوزها بشكل نهائي في مرحلة ما. لم يعد طبيعيّاً أن تكون اليمن مهدّدة من داخل بسبب مواردها المحدودة بعدما قطعت شوطاً بعيداً علي طريق القيام بالاصلاحات السياسية التي تتماشي مع عملية دخول القرن الحادي والعشرين. وتوّجت الاصلاحات بالانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر- أيلول الماضي . شهدت الانتخابات تلك تنافساً حقيقيّاً بين علي عبدالله صالح وآخرين علي رأسهم مرشّح المعارضة ممثّلة بلقاء أحزاب اللقاء المشترك .ولم توفّر المعارضة طريقة الاّ واستخدمتها من أجل اسقاط الرئيس اليمني...

كان لا بدّ من الاصلاحات السياسية. لكنّ هذه الاصلاحات لا تكفي لتكريس الاستقرار في البلد. أن الاستقرار السياسي تحقق إلي حدّ ما في اليمن الذي استطاع تجاوز كلّ العقبات التي واجهت البلد بعد استعادته وحدته في الثاني والعشرين من مايو- أيّار 1990 . لكن هذا الاستقرار يظل نسبياً، حتي لا نقول مهدّداً، من دون الأمن الاقتصادي والاجتماعي. وكان الرئيس اليمني في غاية الصراحة في لندن عندما تحدّث عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها بلاده وعن ضرورة السعي إلي ايجاد حلول لها. لم ير علي عبدالله صالح عيباً في القول أن المواطن اليمني يريد الدواء والخبز والمياه والطاقة وأن المعركة هي مع الفقر والجهل والبطالة. في النهاية، كان لا مفرّ من ظهور وعي خليجي إلي جانب وعي دولي لأهمّية دعم اليمن في عملية التنمية، ذلك أن لا شيء يشجع علي نشوء الارهاب ونموّه أكثر من الجهل والفقر. أكثر من ذلك، ماذا ينفع دولة مثل السعودية اذا أقامت جداراً أمنيّاً علي طول حدودها مع العراق، وهو ما تفكّر فيه جدّياً هذه الأيّام، ولم تلتفت إلي ما يدور في الحديقة الخلفية لدول مجلس التعاون، أيّ إلي ما يدور في اليمن؟ الجميع في مركب واحد. ولذلك، أنّ الاستثمار في الاستقرار اليمني عن طريق توفير الدعم الاقتصادي لهذا البلد هو بمثابة استثمار في الأمن الخليجي أيضاً... وفي ما هو أبعد من ذلك أيضاً نظراً إلي العلاقات التي تربط اليمن بالقرن الأفريقي وتأثّره بما يدور في تلك المنطقة.

لا يمكن الحديث عن مؤتمر المانحين لدعم اليمن بصفة كونه مجرّد خطوة متواضعة في الطريق الصحيح، أي في اتجاه بدء ربط اليمن بمجلس التعاون. ما حدث كان منعطفاً في اتجاه حسم موضوع العلاقة بين اليمن ودول مجلس التعاون. هناك باختصار تحديات جديدة وكبيرة أمام الجميع ليس في استطاعة أيّ طرف تجاهلها. انها تحدّيات من النوع الذي يفرض تجاوز كلّ أنواع الحساسيّات في وقت يبدو الشرق الأوسط كلّه مقبلاً علي أحداث ضخمة يصعب التكهن بالنتائج التي ستترتّب عليها.
-----------------------------------------
الثلاثاء 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 04:12 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق